عبد الله مكي يكتب:سرطان السياسة… على خلفية إغلاق وحدة الأورام بمستشفى ابراهيم مالك

تفاجأ الشعب السوداني عامة – وقبلهم الأطباء والمرضى بصورة خاصة – بقرار مدير مستشفى إبراهيم مالك الجديد (والذي لم يكمل حتى شهراً واحداً منذ تعيينه) بإغلاق وحدة أورام العظام (سرطان العظام)، وهي الجهة الحكومية الوحيدة التي يتعالج فيها أفراد الشعب السوداني.

وكأن هذا المدير الجديد جاء تعيينه فقط من أجل هذا القرار، والغريب في الأمر أن هذا المدير تتلمذ على يد الإستشاري مدير الوحدة الموقوف، بل قام بامتحانه قبل أقل من سنتين، فكيف لشخص لم يكمل سنتين في التخصص، وليست له وحدة منفصلة، أن يُدير مستشفى كاملاً في قامة (إبراهيم مالك)، أم هو (الولاء المقدم على الكفاءة)؟

وعند تقصي الحقائق والبحث عن الأسباب تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن القرار (سياسي من الدرجة الأولى) وأيضاً (سياسي بامتياز). والدليل على ذلك أن عشرات الأطباء والإختصاصيين ونوابهم قد كتبوا وفنّدوا أسباب إغلاق الوحدة وإيقاف الإستشاري الوحيد في هذا التخصص الموجود بالسودان (بعد أن هاجر البقية للحصول على وضع أفضل في دول الخليج وغيرها).

ويبقى السؤال المشروع إذا كان للمدير الجديد ومن يقف خلفه مشكلة (خلاف سياسي) مع رئيس الوحدة ، فلماذا يتم إغلاق الوحدة وهي – حسب بيان اختصاصي الوحدة – النافذة الوحيدة التي يتم تقديم خدمة الأورام بها لجميع مرضى السودان.

والكل يشهد على إنجازات هذه الوحدة لما تقوم به من خدمات للمرضى في ظروف صعبة وعصيبة (وكذلك الوحدات الأخرى)، فإذا أخذنا تقرير عن عدد العمليات التي أُجريت للثلاث سنوات الأخيرة، فسنجد الأرقام كالآتي :

عدد 343 عملية عام 2020 .

وعدد 349 عملية عام 2019 .

وعدد 573 عملية عام 2018 .

وأما إذا عرفنا تكلفة هذه العمليات وأجرينا مقارنة، بين سعر تكلفة العملية في الوحدة التي تم إغلاقها، فسنتأكد أن هذه البلاد ، مصابة بـ(سرطان سياسي) وهو أخطر أنواع السرطانات لأنه سيعمل على موت شعبنا (بالخطوة البطيئة)، وإيقاف أي منفذ لمساعدة الناس، ودونكم المعاناة في (التأمين الصحي) والأدوية (ومدى توفرها وسعرها هل هو في متناول يد المواطن المغلوب على أمره) ووضع المستشفيات (خاصة الحكومية) ، بالإضافة للوضع المعيشي المتدهور وأوضاع الخدمات وعلى رأسها الصحة والتعليم وخدمات الكهرباء والمياه، والوضع الأمني المتدهور، وانتشار السرقات والنهب والقتل داخل الخرطوم.

وعلينا أن ننظر فقط تكلفة العملية في وحدة الأورام بمستشفى إبراهيم مالك، مقارنة بالمستشفيات الخاصة، والمستشفيات خارج السودان:

 تكلفة العملية في مستشفى إبراهيم مالك (وحدة أورام العظام الموقوفة) تقريباً حوالي : (20000 ألف جنيه).

ونفس العملية تكلفتها في المستشفى الخاص حوالي: (500000 ألف جنيه) يعني نصف مليار بالقديم.

أما تكلفة العملية خارج السودان فحوالي: من(10000 إلى 15000 ألف دولار) يعني لو حسبنا الدولار في (400) جنيه فقط، هذه حوالي 4 مليار بالقديم.

فلماذا يحرص هؤلاء المدراء الجدد على معاناة الناس ؟ والعمل على إغلاق أي منفذ لتخفيف هذه المعاناة عن كاهل المواطنين.

وهناك معلومات تقول أن المدير الجديد يعمل على شل وحدة التمريض بالمستشفى، وهناك حديث عن إرجاع(16) من كوادر التمريض للوزارة. فالسؤال هو أين وزارة الصحة من هذه (الفوضى غير الخلاقة)؟ وأين المجلس الإستشاري؟ وأين مجلس التخصصات الطبية؟ وأين مجلس تخصص جراحي العظام؟ وأين جمعية جراحي العظام السودانية؟ ونقول أين منظمات المجتمع المدني؟ وأين منظمات السرطان والتي تحدثنا عن الأمل ، ومحاربة المرض واستئصاله من السودان وتقليل الإصابة به ومعالجة الذين أُصيبوا به . ألم يسمعوا بما حدث ؟ وإذا لم يتم فتح الوحدة ، فأين سيتعالج المرضى؟ وأين سيذهب أصحاب العيادة المحولة والذين موعدهم يوم الأحد  30 مايو 2021 .

ونقول للذين يعتبرون أن دكتور حسن بحاري قد يتضرر من قرار إيقاف عمل وحدة أورام العظام بمستشفى إبراهيم مالك، أن المتضرر الوحيد من إيقاف الوحدة هو الشعب السوداني عامة  ومرضى سرطان العظام خاصة، والإستشاري حسن بحاري كل دول الخليج تتمنى حضوره اليوم قبل الغد، ولكنه آثر البقاء لخدمة وطنه والعمل مع أهله ووسط اختصاصيين ونواب وأطباء وممرضين وعاملون بالتخدير والمعامل وصيادلة وغيرهم من التخصصات الطبية والفنية والإدارية، كلهم أحبوا   البقاء من أجل الوطن والمواطن، ولكن يبدوا أن الذين على أمر البلاد وخاصة في المجال الصحي من وزارة وإدارات مستشفيات آلوا على أنفسهم أن يُشرّدوا من تبقى من الحقل الطبي في السودان ولم يُهاجر، وأن يحاربوا أي منفذ أو وسيلة لتخفيف وطأة العلاج وأسعار الدواء حتى يتحول السودان من جديد لـ(رجل أفريقيا المريض) وتعليقاً على الوضع السياسي أيام ظهورمرض (الكورونا) قال القيادي الشفيع خضر في حوارصحفي : (البلاد تعاني من كورونا سياسية)، ونحن نقول على خلفية إغلاق وحدة أورام العظام بمستشفى إبراهيم مالك : ” إن البلاد تعاني من سرطان سياسي”.

قبل الوداع

رسالة من الشاعر أبو الطيب أحمد ابن الحسين (المتنبي) إلى المدير الجديد لمستشفى إبراهيم مالك وأمثاله ومن يقف خلفه، وهم يحسون (بالإنتفاخ) بعد إغلاقهم هذه الوحدة :

أعيذها نظرات منك صادقة     أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

ومن الإستشاري حسن بحاري للذين تضرروا من القرار :

إن كان سركم ما قال حاسدنا     فما لجـــرح إذا أرضاكمُ ألــــم

Related posts